هاني حبيب:تعهد اوباما للرئيس ابو مازن بلا قيمة لانه لايوجد نقطة تفاوضية يمكن الانطلاق منها

غزة-دنيا الوطن-د.سمير قديح

الكاتب والمحلل السياسي الكبير هاني حبيب يعتبر من الشخصيات السياسية المعروفة في المجتمع الفلسطيني ، فهو يمتاز بحنكة سياسية واسعة وقدرة صائبة على التحليل ، فقد عمل في الثورة الفلسطينية وكان مسئولا اعلاميا في أحد فصائلها حيث أصدر العديد من النشرات الخاصة بالمقاتلين منذ عام 1970.. ومن ثم عمل سكرتيرا لتحرير إحدى مجلات المقاومة من عام 1976 ولغاية 1984.. بدأ الكتابة السياسية والتحليلات والمقالات التي تناولت قضية فلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي، وناقش وكتب في القضايا الهامة التي عاشتها الثورة الفلسطينية، عربيا ودوليا.. ونشر في العديد من الصحف والمجلات ، وهو الآن يعمل كاتب صحفي في صفحة الرأي في صحيفة الأيام الفلسطينية ومحلل سياسي لدى الفضائيات والإذاعات المحلية والعربية وكان في السابق قد عمل محاضر في مساقات الإعلام والاتصال والإعلان والإخراج الصحفي في جامعتي الأزهر والأقصى وعمل في نيقوسيا سابقا: مدير مركز عيبال للدراسات والنشر وفي دمشق سابقا : سكرتير التحرير ثم مديرا للتحرير في مجلة الهدف الأسبوعية وفي بيروت سابقا: مسؤول القسم الإسرائيلي ثم الفلسطيني في مجلة الهدف الأسبوعية .

ومن هنا اجرت صحيفة دنيا الوطن هذا اللقاء مع الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب .

* س : في ظل مغادرة اولمرت وبوش ، كيف ترى افاق عملية السلام في الشرق الاوسط ؟

* ج : قبل مغادرة كلا الرئيسين لم تكن هناك أي مساحة للقول ان هنالك مستقبل للعملية التفاوضية ، ضعف اولمرت بعد هزيمة اسرائيل في لبنان وبعد جملة القضايا الداخلية والتهم الموجهة اليه زعزعت من أي امكانية لكي يحقق أي انجاز بما في ذلك على مسار العملية التفاوضية ، اما بالنسبة للرئيس بوش فقد كان يهدف من وراء حراكه السياسي على صعيد قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والتعوض عن ولوغ قواته في الوحل العراقي . الرئيس بوش منذ ان وطأ البيت الابيض قبل 8 سنوات لم يفطن لفلسطين واسرائيل الا في السنوات الاخيرة بسبب وضعه المعقد في العراق ، وفي نهاية خدمته كرئيس كان من الضعف لم يكن قادرا على رسم سياسة امريكية ناجحة تجاه الشرق الاوسط وعلى الضغط على الطرف الذي يعرقل العملية التفاوضية ، وقبل مغادرته سدة الحكم فان الامر لا يبعث على الثقة بقدرة خليفتيهما على المضي قدما للعملية التفاوضية ناجحة ، فالرئيس الامريكي الجديد سيمضي عدة سنوات في ادارة الملفات سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي ، فعلى الصعيد الخارجي هناك المسالة العراقية والمسالة الايرانية اضافة الى ذلك ما استجد على صعيد مسالة جورجيا وبداية ما يطلق عليه حرب باردة ثالثة . اما على الصعيد الداخلي فهنالك تعقيدات اقتصادية تتعلق بتراجع الاقتصاد الامريكي ، كما تتعلق بموقف امريكا من اتفاقيات كيوتو وجمل كثيرة من التعقيدات الداخلية ، اما مسالة ملفات الشرق الاوسط فانتظرت ستين عاما وبامكانها ان تنتظر اكثر .

في الجانب الاسرائيلي فلا اعتقد ان اسرائيل معنية بالتوصل الى نهاية ناجحة للعملية التفاوضية لا في ظل اولمرت ولا غيره ، فلا يبدو ان اسرائيل بحاجة الى سلام حقيقي طالما ان اوضاعها مستقرة فهي غير مهددة على الاطلاق ، كما ان اسرائيل في وضع ممتاز مقارنة مع شريكها المفترض الفلسطيني ، واسرائيل مستفيدة من العملية التفاوضية فقط للاشارة الى الراي العام العالمي بانها تنزع نحو السلام ، كما بامكانها القيام باجراءات ميدانية لتغيير الوقائع على الارض سواء من جهة الاستيطان او المزيد من تهويد القدس او استكمال بناء الجدار ، فلا العملية التفاوضية منعتها من ذلك ولا وقفها سيمنعها من ذلك . ويمكن ان نتوقف عند التصريحات الاخيرة لاولمرت واعترافه بان على اسرائيل ان تتغير وان ارض اسرائيل الكاملة قد ولت . واقع الامر ان مثل هذه التصريحات التي اعتبرها البعض تاريخية ومبشرة هي تصريحات لا قيمة لها ذلك ان اتفاق اسلو بما تضمنه من بنود يشير بشكل واضح الى ارض اسرائيل الكاملة قد ولت منذ زمن . وفيما بعد طرح رئيس الحكومة الاسبق رابين خطة الفصل وقال عبارته الشهيرة " نحن هنا وهم هناك " أي ان هناك دولتين متجاورتين داخل ارض اسرائيل الكاملة وفق للصياغة الاسرائيلية ، وفيما بعد اقام شارون الجدار الحدودي والذي يسميه الفلسطينيين خطأ " الجدار العنصري " وهو يفصل بين اقليمين داخل ارض اسرائيل الكاملة وحتى اولمرت كان قد طرح قبل سنوات خطة الانطواء التي قامت حرب لبنان بنسفها وهي تقضي بانسحاب اسرائيلي من جانب واحد من مناطق واسعة بالضفة الغربية ، وهذا اعتراف ان فكرة ارض اسرائيل كانت قد نسفت بالفعل . مثل هذه الاراء والافكار ليست تقدما في العملية التفاوضية ، بل تاكيدا على حقائق اسرائيل ، فخطة الفصل والجدار والانطواء تهدف الى شيئ واحد وهو مواجهة الخطر الديمغرافي داخل الكيان الاسرائيلي ، وايضا ربما ايجاد حل للاقلية العربية داخل 48 وتهجيرهم الى الدولة الفلسطينية المجاورة لكي تبقى دولة اسرائيل نقية ، واعتقد أي رئيس قادم سيستمر في هذا النهج .

* س : من الواضح ان القيادة الفلسطينية تراهن الان على تعهد اوباما برام الله للرئيس ابو مازن بان مفاوضات الحل النهائي ستبدأ من النقطة التي انتهت اليها ، وقبل مغادرة بوش كان قد اعطى الرئيس ابو مازن تعهدا باقامة دولة فلسطينية ، فهل تعتقد ان تعهد اوباما سيلقى نفس مصير تعهد بوش ؟

* ج : هناك مقولة باتت معروفة ان الرئيس الامريكي المرشح هو او غيره عندما يدخل البيت الابيض فيما يتعلق بكافة القضايا ولعلنا نتذكر معظم الرؤساء الامريكيين في حملاتهم الانتخابية كانوا يشيرون الى انه سينقلون السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس ، ورغم كافة الضغوط الاسرائيلية الا ان أي رئيس لم يوفي بوعده مع اسرائيل فما بالك مع الفلسطينيين ، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فما هو تعريف النقطة التي وصلت اليها اذا كان الرئيس ابو مازن قد اشار مؤخرا انه لم يتم أي تقدم من الملفات الست المرحلة من اتفاق اوسلو ، وهذا يعني انه ليست هناك نقطة ما يمكن الانطلاق منها .

* س : كيف ترى افاق نجاح الحوار الوطني في القاهرة ؟

* ج : علينا ان نامل بان تشكل حوارات القاهرة انطلاقة لبدء حوار فاعل وجدي لاننا لا نملك غير الامل ، ذلك لانني ما زلت اعتقد انه لا تتوفر ارادة حقيقية في الحوار الحقيقي ، وبالتالي فان الجهد المصري المشكور سيصدم في نهاية الامر بغياب ارادة سياسية لدى الاطراف الرئيسية وبجملة من التعقيدات والاشتراطات التي تخفي ارتباط مصالح لنافذين في هذه الاطراف باستمرار الوضع عما هو عليه ، هذه الاطراف فاعلة ونافذة على الارض بما يجعلها مؤهلة لنسف أي اتفاق حقيقي .

* س : لماذا غاب المثقفون الفلسطينيون عن حشد الراي العام الفلسطيني لانهاء الانقسام ودفع حماس وفتح لانجاح الحوار ؟

* ج : المثقفون الفلسطينيون يعانون من هذا الوضع كما تعاني باقي القطاعات بل لعلهم من اكثر معاناة ، فهم ايضا مطاردون ومعتقلون ومقتولون فاي دور يمكن ان يلعبه مثقف في هذه الحالة ناهيك عن ان المثقف الفلسطيني بشكل عام منتمي وله ولاء لفصيل او لجهة ما وبالتالي فالمثقفون منقسمون وبعضهم كانوا ادوات في الصراع بدلا ان يكونوا اداة للحل فنحن نتحدث عن قطاع مهمل من الحكام وغير ذا تاثير ، ودور مهم يمكنه من لعب دور رئيسي في حل الصراع .

* س : الا ترى ان تطوع الاوروبيين والاشقاء العرب بتسيير سفن الحرية الى غزة يشكل عارا على مؤسسات الغير حكومية المدعومة دوليا ، وقد نجح النائب جمال الخضري في حشد هذا التاييد بينما اكتفت المؤسسات الفلسطينية الغير حكومية بالبيانات الصحفية في مكاتبها المكيفة ؟.

* ج : اعتقد ان اللجنة الشعبية لفك الحصار تضم في قيادتها وبين جنابتها عددا مهما من قيادات المنظمات الاهلية ذوي العلاقة القوية مع الراي العام العالمي والمنظمات الاهلية المناظرة لها في كل دول العالم ، الامر الذي سهل على هذه اللجنة اولا وضع خطة للانطلاق للخارج نتيجة معرفة هذه القضايا الاهلية بالمزاج الشعبي الدولي ونتيجة لعلاقات هؤلاء بالشخصيات السياسية والتمويلية في الخارج ، هذه القيادات كان لها الدور الكبير في نجاح الخطة ونتائجها ولا يجب ان نتجاهل مثل هذا الدور ، يضاف الى ذلك الجهد ليس جهدا فرديا بل انه جهد جماعي لعبت فيه القيادات المجربة والخبيرة في منظمات المجتمع الاهلي الفلسطيني الدور الاكثر اهمية ، وليس من الانصاف تجاهل هذا الدور مع انه كان من الممكن ان تكون هذه التجربة بداية لنهوض عربي تجاه الاستمرار بهذا النشاط .

* س : على المدى المنظور الى اين تسير القضية الفلسطينية برمتها ؟

* ج : هذا السئوال يدفعنا الى الاشارة الى ان هذه القضية ومنذ عقود باتت نهبا للتوقعات والاحتمالات اكثر من ان تكون قضية واضحة المعالم بما يمكن المرء من قراءة طالعها ومستقبلها ، لكن ما يمكن قوله ان مستقبل هذه القضية مرتبط ارتباط وثيق بالوضع الداخلي الفلسطيني وهذا يعني الوقوف على اولويات العمل الوطني الفلسطيني وهنا يمكن السؤال ، هل بالامكان مواجهة اسرائيل عبر المقاومة والكفاح المسلح او عبر المفاوضات بدون ان تكون هناك وحدة وطنية فلسطينية ، وهل تكفي الشعارات والبرامج للفظية لمنح طرف او اخر هوية نضالية ؟ الجواب على مثل هذا السؤال تعيدنا لضرورة التعرف على الاولويات واعتقد ان الاولوية يجب ان تتوجه على الوضع الداخلي ذلك ان مثل هذا الامر هو الذي يجعلنا اكثر قدرة على استثمار التداعيات والتغيرات الاقليمية والدولية لصالح قضيتنا بدلا من ان تقوم اسرائيل بمثل هذا الاستثمار دون ان تتجاهل ان قضيتنا الوطنية تتاثر بشكل مباشر بالاوضاع ونحن لسنا منعزلين عن العالم وهذا لايعني على الاطلاق تفهم ارتباط بعض الفصائل الوطنية بالاجندات الاقليمية والدولية وهذا ليس تبريرا لها .